د. رانيا موسى

دكتوراه في الاتيكيت

والبروتوكول الدولي

0

لا توجد منتجات في سلة المشتريات.

د. رانيا موسى

دكتوراه في الاتيكيت

والبروتوكول الدولي

Blog Post

استهداف طوابير المعونات الغذائية – جريمة حرب بحق الجائعين

استهداف طوابير المعونات الغذائية – جريمة حرب بحق الجائعين

مدرّبة إتيكيت وبروتوكول دولي


في عالمٍ يدّعي التحضّر، لا تزال أبشع صور الانتهاك الإنساني تُمارَس تحت سمع ومرأى العالم. من بين تلك الجرائم البشعة، يبرز مشهد استهداف المدنيين الواقفين في طوابير المعونات الغذائية. رجال ونساء وأطفال ينتظرون كسرة خبز أو قارورة ماء أو كيس رز، ثم يتحوّل المكان إلى مسرح للدماء.

هذه الجريمة لا تقتل جائعًا فحسب، بل تهين إنسانًا في لحظة ضعفه القصوى، وتعتدي على مفهوم الكرامة بكل ما للكلمة من معنى.

مشاهد تتكرر.. وضمير عالمي غائب

شهدت مناطق النزاع خلال العقدين الماضيين مئات الحالات الموثقة التي استُهدِف فيها المدنيون أثناء حصولهم على المساعدات الغذائية. من غزة إلى سوريا، ومن السودان إلى اليمن، تتكرر نفس الجريمة:
– استهداف مراكز التوزيع بالقصف.
– قتل المدنيين الواقفين في طوابير الخبز.
– تدمير شاحنات الإغاثة.
– تجويع جماعي ممنهج عبر منع المساعدات أو مهاجمتها.

الحماية القانونية للمدنيين في لحظات الإغاثة

يُمنح المدني الذي يتلقى المساعدات الإنسانية حماية خاصة ومضاعفة في القانون الدولي، باعتباره:
1. غير مشارك في الأعمال العدائية.
2. في حالة عجز مؤقت عن تأمين احتياجاته.
3. في موقع لا يُشكّل تهديدًا مباشرًا لأي طرف عسكري.

وعليه، فإن القانون لا يحميه فقط، بل يُجرّم أي محاولة لتهديده أو المساس به في هذه الحالة.

اتفاقية جنيف الرابعة – المواد 18، 27، 32

– المادة 18: تؤكد على ضرورة السماح بمرور وتوزيع المساعدات دون عرقلة.
– المادة 27: تحظر تعريض المدنيين لأي عنف جسدي أو نفسي.
– المادة 32: تجرّم المعاملة القاسية وغير الإنسانية، خاصة خلال حالات الضعف مثل الجوع أو العطش.

القاعدة 55 – القانون العرفي الدولي

❝ يُحظر استهداف الأشخاص الذين يتلقون أو ينتظرون المساعدات الغذائية أو الإنسانية. ❞
وهذا يشمل كل مواقع التوزيع، والمخيمات، وحتى أماكن الانتظار المؤقتة.

هذه القاعدة تُعتبر عرفًا دوليًا ملزمًا، أي أن كل دولة أو طرف، سواء موقّع على الاتفاقيات أم لا، مُلزَم باحترامها.

المادة 8 – نظام روما الأساسي

تعتبر المادة 8 من نظام روما الأساسي أن استهداف المدنيين في أماكن الإغاثة أو مراكز المساعدات هو جريمة حرب موجبة للمحاسبة أمام المحكمة الجنائية الدولية. وهذا ينطبق على الأفراد والقادة على حد سواء، حتى لو لم تصدر أوامر رسمية مكتوبة.

نظام روما الأساسي – العدالة حين تُدوَّن في نصوص

في عام 1998، وُلدت إحدى أقوى أدوات العدالة الدولية، حين اعتمد المجتمع الدولي نظام روما الأساسي كالإطار المؤسِّس للمحكمة الجنائية الدولية. وقد جاء هذا النظام ليضع حدًّا للإفلات من العقاب، ويُعرّف بشكل دقيق الجرائم التي تهزّ ضمير الإنسانية.

يتناول النظام أربع فئات رئيسية من الجرائم:
1. جريمة الإبادة الجماعية
2. الجرائم ضد الإنسانية
3. جرائم الحرب
4. جريمة العدوان

وفي صلب المادة 8 منه، تُصنَّف الاعتداءات على المدنيين، بما في ذلك استهدافهم أثناء تلقيهم للمساعدات الإنسانية أو أثناء وقوفهم في طوابير الغذاء، ضمن جرائم الحرب التي توجب المحاسبة.

ما يُميّز هذا النظام أنه لا يُعفي القادة، ولا يشترط صدور أوامر رسمية مكتوبة، بل يُحمّل المسؤولية لكل من ارتكب أو أمر أو سهّل أو تغاضى عن هذه الانتهاكات. فالقانون هنا لا يعرف الرتبة، بل يعرف حجم الجُرم.

إن نظام روما لا يمنح العدالة فقط لمن سقطوا، بل يُوجّه رسالة واضحة: أن الدماء التي تُسفك ظلمًا لا تموت بصمت، بل تبقى شاهدة تطالب بالقصاص.

الجريمة الأخلاقية قبل القانونية

إن استهداف الجائع هو في جوهره جريمة أخلاقية قبل أن يكون انتهاكًا قانونيًا. فمن يُهاجم الطوابير يعرف تمامًا أن من فيها ليسوا مقاتلين، بل أناسًا يبحثون عن البقاء.
الجوع هو امتحان للكرامة، واستهداف الجائع هو دهس للكرامة بالوحل. لا يمكن لأي منطق عسكري أن يبرّر هذه الانتهاكات.

أمثلة من الواقع

– في غزة، تم استهداف عشرات المدنيين أثناء اصطفافهم أمام أفران الخبز.
– في سوريا، تعرّضت طوابير المعونات في بعض المناطق المحاصَرة للقصف.
– في اليمن، قُصفت سيارات الإغاثة أثناء توزيعها الغذاء للمحتاجين.
– في السودان، وُثّقت حالات تجويع ممنهج عبر مهاجمة مراكز توزيع الأرز والزيت.

الخلاصة: حين يُقصف الرغيف

❝ لا شيء يبرّر قصف جائع. لا شيء يبرّر اغتيال كرامة شخص واقف على أمل.
استهداف الطوابير الغذائية هو جريمة موصوفة، يُحاسب عليها القانون، ويدينها الضمير العالمي. كل لحظة صمت عن هذه الجرائم، هي مشاركة فيها. ❞

الكاتب:
Related Posts
إتيكيت التحقّق من الأخبار وتداول الشائعات

مدرّبة إتيكيت وبروتوكول دولي في زمنٍ صارت فيه المعلومة أسرع من الضوء، لم يعد نقل الخبر مجرّد حديث عابر، بل…

داخل القاعة الصامتة: البروتوكول الخفي لمجلس الأمن

مدرّبة إتيكيت وبروتوكول دولي في قاعةٍ شبه دائرية، تتداخل فيها السياسة بالصمت، وتتكلم الكراسي بلغتها الخاصة… يُرسم المشهد العالمي. ليس…

Write a comment
Need Help?