بروتوكول الحرب: كيف تُقاس حضارة الدولة حين تشتعل الجبهات؟

مدرّبة إتيكيت وبروتوكول دولي

في زمنٍ يعلو فيه صوت السلاح على صوت العقل، تُصبح الكلمات المرتبة، والانحناءات الرسمية، وحتى طرق الاستقبال والتوديع، كأنها طيفٌ من عالمٍ لا مكان له في الدم. لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن البروتوكول لا يغيب في الحرب، بل يصبح حينها اختبارًا جوهريًا لأخلاق الدول، ومقياسًا دقيقًا لمَن لا يزال يُمسك بخيوط الحضارة وسط العاصفة.

أولًا: الحرب كاختبار للرقي البروتوكولي

ليس البروتوكول مجرد مراسم شكلية. بل هو نظام سلوك رسمي يُعتمد لتنظيم العلاقات بين الدول، والمؤسسات، وحتى بين المتخاصمين في أوج النزاعات. وهو لا يتعارض مع الدستور، بل يتكامل معه: الدستور يقرّ الحقوق والمبادئ، والبروتوكول يترجمها في سلوك مسؤول ومحترم، حتى مع الخصم.

فالدول المحترمة تُظهر رقيّها لا في لحظات الاستقرار، بل حين يكون الاستفزاز في أقصى درجاته… وعندها يُصبح البروتوكول مرآة حقيقية لما تبقّى من نُبل الدولة، لا لما تبقّى من قوتها.

ثانيًا: بروتوكولات الحرب في الميدان

بروتوكول معاملة الأسرى

لا يجوز عرضهم على الإعلام، يُمنع تعذيبهم أو إذلالهم. يجب تأمين غذائهم، طبابتهم، واحترامهم كأسرى لا كأعداء.

البروتوكول الإنساني للطواقم الطبية

المستشفيات والطواقم الطبية محميّة دوليًا. يُمنع استهداف سيارات الإسعاف أو الفرق الطبية الميدانية.

البروتوكول الدبلوماسي في الحرب

يُفترض أن يتم استدعاء السفراء أو قطع العلاقات بشكل رسمي لا مهين.

البروتوكول الإعلامي أثناء النزاعات

يُمنع استخدام الإعلام للتحريض على الكراهية أو التشويه. يجب احترام الخصم ككائن إنساني.

البروتوكول الإنساني في تبادل الجثامين والهدن

تُجرى هذه العمليات بهدوء وعبر وسطاء دوليين، ويُعامل جسد العدو باحترام.

ثالثًا: توثيق دولي لبروتوكولات الحرب

اتفاقية جنيف الثالثة – المادة 13

يجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات… يُحظر عليهم أي عمل عنف أو تهديد أو إهانة أو فضيحة علنية، بما في ذلك العرض على وسائل الإعلام.

اتفاقية جنيف الأولى والثانية

يجب احترام وحماية الطواقم الطبية والمستشفيات الميدانية. لا يجوز مهاجمتهم، ويجب السماح لهم بأداء مهامهم الإنسانية.

البروتوكول الإضافي الأول – المادة 75 (1977)البروتوكول الإضافي الأول – المادة 75 (1977)

حتى من لا يتمتعون بوضع أسير رسمي يجب أن يُعامَلوا بكرامة. ويُمنع تعريض أي إنسان للمهانة أو الدعاية المهينة.

اتفاقية لاهاي – المادة 23 و46

يُحظر قتل أو جرح العدو الذي استسلم. يجب احترام شرف الأسرة والملكية الخاصة، حتى في الأراضي المحتلة.

اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية – المادة 22 و29

المباني الدبلوماسية غير قابلة للتفتيش. ويُعتبر شخص المبعوث الدبلوماسي مصونًا.

العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية – المادة 20

يُحظر بالقانون أي دعاية للحرب أو دعوة للكراهية القومية أو الدينية.

الحرب ليست فقط منازلة بالسلاح، بل مرآة دقيقة تكشف سلوك الدولة وهي في أقسى لحظاتها. واحترام البروتوكول وسط الدماء، لا يبرّئ أحدًا، لكنه يؤكّد أن هناك من يرفض الانحدار إلى الوحشية، حتى وهو يتألّم.

لأن السلاح قد يصنع نصرًا، لكن البروتوكول وحده يصنع دولة.