داخل القاعة الصامتة: البروتوكول الخفي لمجلس الأمن

مدرّبة إتيكيت وبروتوكول دولي
في قاعةٍ شبه دائرية، تتداخل فيها السياسة بالصمت، وتتكلم الكراسي بلغتها الخاصة… يُرسم المشهد العالمي. ليس بالأصوات فقط، بل بطريقة الجلوس، ونظرات الحضور، وتسلسل المندوبين خلف اسم كل دولة. في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كل مقعد يعني شيئًا، وكل ترتيب له دلالة.
🎯 شكل القاعة وترتيب الجلوس:
تقع قاعة مجلس الأمن، وتُعرف في أوساط الدبلوماسيين بـ”القاعة الصامتة”، داخل المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك، وهي مصمّمة على شكل نصف دائرة:
– في المقدمة: طاولة رئيسية على شكل قوس، يجلس عليها مندوبو الدول الأعضاء الـ15.
– في الخلف: صفوف مخصصة لمساعدي الوفود والمراقبين وممثلي منظمات دولية أو إعلامية.
– في مركز القوس: تجلس الدولة التي ترأس مجلس الأمن للشهر الجاري. *(الرئاسة دورية شهرية، تنتقل بين الدول الأعضاء حسب الترتيب الأبجدي لأسمائها باللغة الإنجليزية).*
🏛️ من هم أعضاء مجلس الأمن؟
يتكوّن المجلس من 15 دولة عضو، موزّعين على النحو الآتي:
🔹 خمسة أعضاء دائمين:
لا يتغيرون منذ تأسيس الأمم المتحدة، وهم أصحاب حق النقض (الفيتو):
1. الولايات المتحدة
2. روسيا
3. الصين
4. المملكة المتحدة
5. فرنسا
🔸 عشرة أعضاء غير دائمين:
يُنتخبون من قِبل الجمعية العامة لمدة سنتين فقط، وفق توزيع جغرافي متوازن:
– 3 من أفريقيا
– 2 من آسيا
– 2 من أميركا اللاتينية والكاريبي
– 2 من أوروبا الغربية ودول أخرى
– 1 من أوروبا الشرقية
تتبدّل هذه الدول كل سنتين، وتُعدّ العضوية فرصة دبلوماسية ثمينة تتيح للدول الصغيرة مقعدًا مؤقتًا على طاولة القرار العالمي.
👤 من يجلس على الطاولة؟
أمام كل دولة، تُوضَع لافتة تحمل اسمها، ويجلس أمامها:
1. المندوب الدائم أو السفير (أرفع ممثل للدولة).
2. إلى يمينه: المسؤول الثاني من حيث الرتبة، غالبًا نائب السفير أو المستشار الأول.
3. إلى يساره: مسؤول ثالث، أقل أقدمية، أو متخصص في ملف النقاش (سياسي، قانوني، عسكري…).
في البروتوكول الدبلوماسي العالمي، تُعتبر الجهة اليمنى عن الشخصية الأساسية هي الجهة الأكثر شرفًا.
لذا، الجلوس إلى يمين السفير لا يُعد تفصيلًا، بل دلالة على الأولوية والأهمية داخل الوفد.
👥 من يجلس خلف السفير؟
خلف المندوبين، هناك صفوف مخصّصة لأعضاء الوفد المرافق، وغالبًا ما تضم:
– مستشارين دبلوماسيين
– مترجمين (عند الحاجة)
– خبراء قانونيين أو عسكريين
– ممثلين عن الوزارات المختصة بالملف المطروح
يُرتَّب هذا الصف الخلفي وفق الأقدمية الوظيفية أولًا، ثم حسب التخصص، وأحيانًا حسب أهمية الرجوع لصاحبه خلال المداولات.
🗣️ لغة الصمت… حين يتكلم البروتوكول
في هذه القاعة، لا مكان للارتجال:
– لا أحد يجلس من تلقاء نفسه
– لا أحد يفتح المايكروفون إلا بإذن
– الأوراق مُرتبة بدقة
– السماعات جاهزة للترجمة الفورية إلى اللغات الرسمية للأمم المتحدة
حتى الإنصات له معنى.
والصمت هنا… يُفسَّر سياسيًا.
🪑 توزيع المقاعد: ليس اعتباطيًا
يُوزَّع ترتيب الجلوس حول الطاولة حسب الترتيب الأبجدي باللغة الإنجليزية، بدءًا من الدولة التي تتولى الرئاسة في ذلك الشهر.
💠 ماذا عن الوفود الكبيرة؟
بعض الدول، خصوصًا الكبرى، تحضر بأكثر من خمسة أو ستة أفراد. يُسمح لهم بالجلوس في الصفوف الخلفية، لكن دون حق الكلام، ما لم يُمنح لهم المايكروفون من قِبل رئيس الجلسة.
يبقى المندوب الرسمي هو الصوت الوحيد المُخوّل بالحديث، ما لم يُحِل الكلمة بنفسه إلى مساعد أو خبير معين، في حال تطلب النقاش ذلك.
وفي القاعة الصامتة، حيث تُدار السياسات الكبرى بأقل الكلمات، تبقى لغة البروتوكول هي الأكثر بلاغة…
لغة لا تُقال، بل تُفهم من حركة الكرسي، من صمت المايكروفون، ومن نظرة يجلس خلفها قرار.

مدرّبة إتيكيت وبروتوكول دولي في زمنٍ صارت فيه المعلومة أسرع من الضوء، لم يعد نقل الخبر مجرّد حديث عابر، بل…

مدرّبة إتيكيت وبروتوكول دولي في عالمٍ يدّعي التحضّر، لا تزال أبشع صور الانتهاك الإنساني تُمارَس تحت سمع ومرأى العالم. من…